المرأة والاهتمامات الزائفة
ولكن المرأة وبعد أن قطعت هذا الشوط الكبير من المعانات والنضال وتخلصت من عهود الجهل والظلام التي أذلتها واحتقرتها وسلبت إنسانيتها وصادرت كرامتها وحريتها..
بعد أن أصبحت إنسانة محترمة، لها مكانة الإنسان وكرامته وحريته، ببركات الرسالة الإسلامية وبفضل جهاد المرأة ونضالها.
بعد ذلك كله عادت المرأة الآن فريسة احتقار جديد ومذلة حديثة… وأصبحت إنسانيتها في معرض الخطر وذلك بسبب الأدوار المزيفة الدنيئة التي تزف إليها المرأة حيث أصبحت المرأة أشبه شيء بمستودع جنسي يقذف الرجل فيه شحناته الجنسية الثائرة وصارت مجرد آلة للهو والمتعة والالتذاذ.. وصورتها ومفاتنها وسيلة للدعاية والإعلام.
أما اهتماماتها وتفكيرها فقد حولوه إلى الأمور التافهة والقضايا السخيفة كموديلات الألبسة، وأزياء الجمال وموضات الأناقة..
إنه لخطر كبير يهدد إنسانية المرأة وكرامتها ويحولها إلى سلعة تباع وتشترى حسب مستوى جمالها وأناقتها، ويجعلها تعيش على هامش الحياة لا تفكر إلا في الأزياء والمكياج وتصفيف الشعر!!
فهل ستدرك المرأة المعاصرة الخطر الجديد المحدق بها والمغطى بشعارات الحب وعبارات المدح والثناء؟
أم ستلقي بنفسها في أوحال الإهانة والمذلة والاحتقار؟.
يبدوا أن غالبية النساء خدعن بالشعارات البراقة والكلمات المنمقة، وسقطن في هوة الاستغلال المغلف بادعاءات التحرر.. ووعت فئة قليلة منهن إبعاد الخطر الجديد فاحتفظت بكرامتها وعفتها.
ننقل للقارئ الكريم والقارئة العزيزة مقاطع مهمة من حديث جميل لأدبية عربية معروفة، وهي تفضح أساليب الجاهلية المادية الحديثة التي تريد العودة بالمرأة إلى عصور الذل والاحتقار.
تنظر في المجلات التي تسمي نفسها نسائية فماذا ستجد فيها؟.
إنها في أغلب الحالات مجلات أزياء لا تحمل للمرأة هدفاً أبعد من ملابسها وحقائبها وأحذيتها وهذه المجلات تعامل المرأة الحديثة معاملة جواري ألف ليلة.
فتكتب لهن أمثال هذه العناوين المهمة (سيدتي ماذا تلبسين في رحلة بحرية؟)
أو (فساتين للصباح) أو (تسريحات للشعر بعد الظهر) أو (بأي ملابس تظهرين في حفلة العشاء؟)!!
فما تلبسه المرأة في الصباح يختلف عما تلبسه في المساء وما يلبس في حفلات الرياضة، يختلف عما يلبس بعد الظهر وثياب المنزل تختلف عن ثياب الخروج، ولضفاف البحر ملابس خاصة!.
وعلى المرأة المتوسطة أن تكون لها ملابس لكل المناسبات وأن يكون لها أكثر من واحد لتستطيع التغيير والتبديل ولكل ثوب عقد خاص به وأقراط وأحمر شفاه ينسجم معه، وحذاء وحقيبة…
واختصاراً للموضوع تجد المرأة أنها إذا أرادت أن تكون أنيقة كما تدعوها المجلات والإذاعات فسوف تجد أن الحياة لا تكفي للأناقة!!.
إنه الجمال المزيف المصنوع بالوسائل الآلية وسواها فبدل من أن تعتمد الفتاة على مرونة ذهنها وتقدم ثقافتها وجمال روحها ورقة ابتسامتها تجدها تعتمد على كثرة ملابسها والتصفيف في شعرها، وبدلاً من أن توسع آفاق فكرها بالمعرفة والعلم تلجأ إلى التبرج والتفسخ، والملابس القصيرة الضيقة التي تبرز أعضاء الجسم كما الجواري في أسواق النخاسين.
مضاعفات التأنق
وأول نتائج هذا التحكم أن التأنق يذل المرأة ويقتل كبرياءها وأساس هذا الإذلال أن إقامة أسس الأناقة على كثرة الملابس وعلى الحلاقة، يشعر المرأة بأن الجمال هو الشيء الذي ينقصها، لا الشيء الذي تملكه فإذا أرادت أن تكون جميلة وجب عليها أن تكافح في سبيل ذلك، فتعمل ليل نهار في استكمال ذاتها الناقصة.
والمرأة الأنيقة يجب أن تملك ثياباً كثيرة وملحقات لا حصر لها ولا يخفى عليكم أن مؤسسات الأزياء قد عقدت هذه الأشياء تعقيداً مسرفاً فالحرص على أبسط مستوى في هذا يقتضي مالاً كثيراً ومن ثم فإن مبدأ التأنق حين يصبح هو القانون النافذ في المجتمع يحرم نساء الطبقة الفقيرة إن يكن جميلات، وبذلك يصبح الجمال حكراً تملكه الطبقة المرفهة وحدها. وفي ذلك إذلال الفقراء والفتاة والفقيرة، فالتأنق ضرب من الطبقية الاجتماعية!.
وجناية أخرى تجنيها الأناقة المسرفة على الإنسانية تلك هي الجناية على الوقت الذي هو ثروة الأمة أن الأناقة النموذجية التي تدعو إليها مجلات المرأة، تقتضي من الوقت مالا تتسع له الحياة.. فلقد تربصت بهذه المجلات عدة أشهر ذات مرة، وأحصيت مجموعة الأشياء التي تحتاج إليها المرأة لإنجاز الأناقة المثلى، فوجدت الحياة كلها لا تكفي!.
لقد حقروا المرأة بأن جعلوا شعرها النموذجي تعقيداً علمياً لا يحققه إلا الحلاق الذي يهينها بإجلاسها تحت المجفف ساعتين ليصفف شعرها تصفيفاً مصطنعاً! وقد فرضوا عليها الصفافة لبشرتها نصف ساعة كل مساء أو ربع ساعة للأهداب وكذا من الوقت للأظافر! ووقتاً للعناية بالكفين والقدمين. وتمارين رياضية لتنحيف الخصر! وأخرى لمنع تجعدات الوجه، تمارين استرخاء وحمامات بخار.
وكل هذا يأكل وقت المرأة وعقلها، و يبقى منها جانباً للشعور الإنساني، وإنما يحولها إلى دمية أنيقة لا روح لها حركاتها آلية وبسماتها مصطنعة.
إن الوقت الثمين الذي يضيع عند الخياطة كان يمكن أن ينفق في أسباغ الحب على أب شيخ مريض أو زوج مرهق، أو طفل يحتاج إلى التوجيه وبدلاً من أن تذهب الفتاة إلى الحلاق تستطيع أن تطالع كتاباً ينير عقلها. ويهدي روحها وبدلاً من أن تذهب إلى خبير التجميل تستطيع أن تنتمي إلى جمعية تخيط الملابس للاجئين بأن تكسو طفلاً عارياً.
خطة الاستعمار
كم ملايين الدنانير تنفق نساء العالم العربي كل عام في شراء الثياب والأحذية والعطور والمساحيق!
احسب أنا لو قدرنا ذلك بأربعمائة مليون دينار لما بالغنا فلو أنزلت كل امرأة نفقات أناقتها إلى الربع لاستطعنا شراء طائرات تكفي لدحر عدونا الأكبر إسرائيل.
إن معامل الأقمشة في الغرب المستعمر تضحك منا وتستعملنا نحن النساء في ضرب الاقتصاد القومي في العالم العربي ومعامل الأقمشة لا أخلاق لها. وآلاتها الرهيبة بلا قيم ولا إنسانية أنها تريد أن تبيع وتبيع، وليس يهمها في سبيل ذلك أن تقتل روح الإنسان وتذل كرامته.
وهذه المعامل الشريرة البشعة هي التي تغير الأنماط كل عام!
وقد دأبت المعامل على استعمال كل وسائل الإعلام في بث الدعاية لما تنتج، فهي تأتي بخبراء يخيطون الأقمشة الجديدة في أنماط معينة، ثم تقيم معارض للأزياء فتأتي بفتيات جميلات تلبسهن هذه الملابس، وتعرض في سوق النخاسين. والمعامل تعطي الجوائز على هذا العمل. وتبذل آلاف الدنانير في الإعلان وحشد الجمهور وإغرائه بشتى الطرق.
وقد أصبحت أخيراً تغري الإذاعات المرئية بتصوير حفلات الأزياء هذه ونقلها ليراها الملايين!.
والغرض من ذلك إقناع النساء في العالم بأن الأزياء قد تغيرت، وأنماط الرسم الماضي قد فاتت وحلت محلها أنماط جديدة فعلى المرأة الأنيقة أن تسرع إلى الأسواق لتشتري لنفسها ملابس تتفق مع هذه الأزياء..
إن أغلب معامل الأقمشة ومصانع العطورات والمساحيق إنما يملكها اليهود في الغرب، واليهود كما ثبت في هذا العصر يسعون إلى أن يسيطروا على العالم، ويحكموه بعد القضاء على الحكومات العالمية جميعاً وأسلوبهم في السيطرة ذو شقين.
أولهما: الاستيلاء على المال في كل بلد ينزلونه وهذا قد تحقق لهم حيثما وجدوا لأنهم قوم يقيمون تعاملهم على ابتزاز الأموال بوسائل غير مستقيمة مثل الربا.
وثانيها: هدم الأخلاق والمثل والمعتقدات واليهود يعلمون حق العلم أنهم إذا هدموا الأخلاق تهدمت الشعوب، وانهارت أمامهم.
من هنا فقد عمل اليهود على السيطرة على معامل الملابس والمساحيق والعطور وسواها من مستلزمات المودة وهم بذلك يتوصلون إلى تحقيق الغرضين، فيسيطرون على المال ويفسدون الدين والأخلاق(مآخذ اجتماعية على حياة المرأة العربية نازك الملائكة (بتصرف)).
وهكذا بعد أن تخلصت المرأة من مآسي الماضي أصبحت تواجه أخطار المستقبل! مع فارق بسيط وهو أن ما حدث لها في الماضي كان على رغم أنفها ولم يكن لها خيار فيه، أما الأخطار الحديثة فقد أريد لها أن تكون برضا المرأة واختيارها عن طريق خداعها واغرائها بشعارات الأناقة والحب والتحرر!!
فهل ستنطلي عليها الخدعة أم ستقاومها بالوعي؟
المرأة والعمل
يقوم تقسيم الوظائف في كل مجتمع ومحيط على أساس تقبل الأشخاص لتلك الوظائف وإمكانياتهم للقيام بها على أحسن وجه. وتقسيم العمل هو ضرورة من ضرورات المجتمع في جميع النواحي والمجالات.
وتقسيم العمل يؤدي إلى سهولة القيام به مهما كان صعباً ويؤدي أيضاً إلى سرعة الإنتاج مهما كان بطيئاً وتقسيم العمل والوظائف يساعد المتخصص في كل قسم منه على النبوغ في ذلك القسم والتعمق فيه خلافاً لما لو اختلف توزيع العمل وتعاقب الأعمال المختلفة على العامل فإنه سوف يخسر مرونته وعبقريته التي قد يحرزها في عمل واحد.
فإن لكل شخص من الأشخاص استعداده الخاص وطبيعته الخاصة به وتكوينه الفطري والنفسي فنحن لا ينبغي لنا مثلاً أن نجعل من فنان مهندساً أو نجعل من مهندس فناناً فإن لكل منهما هوايته واستعداده الخاص ولا ينبغي لأي منهما أن يخالف اتجاهه الطبيعي أو يعاكس أهواءه واستعداده.
فنحن إذا أجبرنا العامل الميكانيكي مثلاً على أن يكون فناناً وإذا أجبرنا الفنان على أن يكون ميكانيكياً نحكم على مواهب كل من الطرفين بالعدم في الوقت الذي نحصل فيه على أبرع عمل ميكانيكي وعلى أروع فنان لو تركنا كلاً منهما يسير وراء هوايته الطبيعية، وقد شمل حتى تكوين الإنسان تركيبه العضوي، فإن لكل عضو من أعضاء الإنسان عمله الخاص وفائدته الخاصة وبهذا تكون جميع أعضاء الإنسان متساوية من ناحية الاستهلاك ومتوازية في إنجاز المهام فعلها في ذلك كمثل تقسيم العمل في المعمل الصناعي، فتقسيم العمل في المعمل الصناعي من شأنه أن يستوجب استعمال كافة الآلات الموجودة في مصنع من المصانع في وقت واحد.
ولاشك أن هذا الاستعمال مفيد من عدة نواحي، فهو مفيد للآلات نفسها إذ أن الحركة أفضل لها من الوقوف، كما هو مفيد بالنسبة للإنتاج إذ أن العامل الذي يتخصص في إدارة آلة معينة يستطيع أن يحصل على أكبر فائدة موجودة منها، وبذلك تصل قوة الإنتاج إلى أقصى درجتها حتى على الصعيد الدولي فإنا نجد أن تقسيم العمل قد انتشر بين الدول والأقاليم بل وحتى في الدولة الواحدة نفسها، وذلك تبعاً لصفات السكان فيها واستعدادهم الذاتي لأي أنواع العمل، ويحسب تربتها ومناخها ونوع المعادن الموجودة فيها ونوعية المحصولات التي تنتجها والقوى المتحركة وتوزيعها.
فقد تتخصص بعض الدول في صناعة المنسوجات وبعضها في صناعة المواد الكيميائية مثلاً وقد تتخصص غيرها في تربية الأغنام أو زراعة القطن أو إنتاج النفط بناءً على استعداد الدول وإمكانياتها.
ولاشك أن تقسيم العمل بين الأفراد في جميع المجالات له أثر كبير في حياتنا الاجتماعية فعلاوة على المزايا العديدة التي يتضمنها فإنه يحكم الروابط بين الأفراد ويشعر الإنسان بحاجته إلى أخيه الإنسان وبأنه لن يستطيع أن ينتج بنفسه كافة الأشياء.
اللازمة له فهو مضطر إلى أن يعتمد على غيره في الحصول عليها.
وعلى هذا فإن كل واحد من المجموعة البشرية يشعر بأنه مشدود جذرياً إلى أخيه الإنسان وهذا الشعور يولد التقارب اللااختياري في المجتمع. فإذا كان تقسيم العمل شاملاً لكل المجالات في جميع الأحوال، وإذا كانت الحياة قائمة على أساس تقسيم العمل في جميع نواحيها، فمن الطبيعي جداً أن يأخذ الإسلام بهذا المبدأ في تقسيم العمل بين المرأة والرجل فيسند لكل منهما الدور الذي هو أكثر كفاءة للقيام به.
فإن لكل من المرأة والرجل مزاجاً خاصاً وتكويناً معيناً لا ينبغي لأي منهما أن ينحرف عنه أو ينفصل منه.
فتوزيع المهام إذاً بين الرجل والمرأة لا يقوم على أساس تسخير أحدهما للآخر بل على أساس تقسيم العمل وإعطاء كل منهما نوع المهمة التي تنسجم مع طبعه ومزاجه. ولولا توزيع هذه الوظائف والتهيئة التكوينية لهذا التوزيع لما أمكن للبشرية أن تعيش على وجه الأرض.
فكما أن على المرأة أن تقوم بوظائفها الطبيعية في الحياة كذلك على الرجل أيضاً أن يقوم بمهامه بالنسبة للمجتمع والحياة، يكون إنجاز هذه الوظائف الطبيعية على سبيل التعاون والتكافؤ لا على سبيل التسخير والاستخدام.
هذه هو التقسيم السماوي للوظائف البشرية دون استغلال من أحد الطرفين. وهكذا شاءت العدالة الربانية أن تجعل البشر متساوين في الوظائف متكافئين في الأعمال دون ظلم لكل من الطرفين مكانته الاجتماعية ويحافظ في الوقت نفسه على كيانه الخاص، يجعلهما معاً خادمين للمجتمع على صعيدين متساويين، وكل حسبما تفرضه عليه طبيعته ويدله إليه تكوينه.
ولذلك فقد أسند للمرأة خدمة المجتمع في داخل البيت وأسند للرجل خدمة المجتمع في خارج البيت. وذلك لأن المرأة بطبيعتها الأنثوية الرقيقة أجدر بإدارة البيت الذي يقوم على الحب والعطف والحنان.
ولكن هذا التوزيع العادل للوظائف أخذ يستغل من قبل بعض دعاة الشر لإبرازه في صورة معاكسة تماماً للواقع تنتج عنه تصورات خاطئة عن أن المرأة في الإسلام لا تعد إلا كونها أداة عمل وآلة إنتاج تحت سيطرة الرجل. وكان نتيجة لهذه الدعايات السامة أن أخذت المرأة المسلمة تستشعر بنقطة ضعف موهومة وصارت تحاول أن تمحو عنها هذا النقص.
وبما أن الوسيلة الوحيدة التي تمكنها من ذلك هي عدالة السماء وتفهمها الواقعي للحكمة العادلة في هذا التوزيع، وبما أنها قد انصرفت عن هذه الناحية بعد أن توهمت اليأس منها، فإنها لن تتمكن من الاهتداء إلى ما تسعى، مهما حاولت ذلك ومهما بذلت في سبيل ذلك الغالي والرخيص من عزتها وكرامتها طهرها الغالي الثمين.